مصدر طبي فلسطيني لـ"جسور بوست": الصحة النفسية تنهار في غزة تحت القصف والحصار
رامي العبادلة: 2 مليون في القطاع بحاجة للعلاج النفسي
قال الدكتور رامي العبادلة، مدير وحدة مكافحة العدوى بوزارة الصحة الفلسطينية، إن قطاع غزة يمر بكارثة صحية ونفسية غير مسبوقة في التاريخ المعاصر، مشيرًا إلى أن كافة المقومات الأساسية للعلاج النفسي غائبة بالكامل.
وأضاف العبادلة في تصريح خاص لـ"جسور بوست" أن ما تبقى من خدمات الصحة النفسية يعمل في مراكز رعاية أولية وبشكل محدود جدًا، دون توفر الأدوية، أو أجهزة التشخيص والمتابعة، أو أماكن مخصصة لحجز المرضى الذين يعانون من اضطرابات نفسية حادة.
وأوضح أن ما يقرب من مليوني إنسان في قطاع غزة باتوا بحاجة إلى تدخلات نفسية بدرجات متفاوتة، لكن الواقع المفجع أن "لا أحد في غزة يمكن اعتباره معافى نفسيًا"، مؤكداً أن الحرب المستمرة على القطاع منذ نحو 20 شهراً، وما خلفته من دمار شامل ومعاناة يومية، أصابت المجتمع الفلسطيني بأكمله بصدمة جماعية مزمنة.
مسببات الأزمات النفسية
ومضى العبادلة قائلاً: "الكارثة النفسية في غزة تتجاوز المألوف، ويمكن تلخيص أبرز مسبباتها فيما يلي، أن لا أحد لم يتعرض للأذى المباشر أو غير المباشر حتى أقل المتضررين، فقدوا منازلهم وأحلامهم، مضيفاً أن العدوان لم يترك منزلاً إلا وامتد إليه الضرر، سواء تدمير مباشر، أو قصف مجاور، أو حرمان من أبسط مقومات الحياة.
واستطرد: "حالة الفقد الجماعي باتت أبرز ما يتسم به سكان القطاع المنكوب، حيث كل شخص في غزة فقد عزيزًا، إما من الدرجة الأولى أو الثانية، ولا توجد عائلة إلا وتعيش حالة من الحداد أو ترعى جريحًا بإصابة خطِرة، دون قدرة على تأمين علاج أو رعاية متخصصة".
ولفت العبادلة إلى التهجير القسري المتكرر، إذ لا يعرف المواطن الغزي الاستقرار، ومعظم السكان هُجروا قسرًا من أماكن سكنهم أكثر من عشر مرات منذ بدء الحرب، ما أسهم في تقويض الإحساس بالأمان والانتماء، وهدم الروابط المجتمعية والنفسية.
القلق حالة وجودية
وبالنسبة لتأثير القصف المستمر، قال رامي العبادلة إن القلق بات حالة وجودية في غزة، لا سيما مع استمرار الانفجارات اليومية، وأصوات الطائرات والقنابل، والتي تحرم الناس من النوم والطمأنينة، حيث لا يوجد ليل أو نهار طبيعي، ومن ثم فإن الحالة النفسية للناس تحولت إلى قلق دائم وترقب موت محتمل في كل لحظة.
وتابع: "تؤثر المجاعة وشعور العجز في الصحة النفسية لسكان القطاع، حيث يشكل غياب الغذاء الكافي عبئًا نفسيًا رهيبًا على الأهالي، خصوصًا الأمهات والآباء العاجزين عن تأمين لقمة العيش لأطفالهم، وهذا الشعور بالعجز من أقسى أنواع العذاب النفسي".
وأكد أن كل منزل في غزة تقريبًا يحتوي على شخص مريض بمرض مزمن مثل السكري، والضغط، والقلب، والسرطان ولا تتوفر الأدوية، وهذا الانقطاع القاتل للعلاج يزيد الضغط النفسي، ويجعل الأسر تعيش في رعب دائم على أحبائها.
تحت الأنقاض النفسية
وبعبارة "الأطفال جيل تحت الأنقاض النفسية"، قال الدكتور رامي العبادلة إن الأطفال فقدوا كل شيء منازلهم، ومدارسهم، وأصدقائهم، وألعابهم، وشعورهم بالأمان، تحت وطأة صور الدماء، وأشلاء الجرحى، والموت، أصبحت جزءًا من وعيهم اليومي، وبالتالي لا مكان للطفولة، ولا بيئة آمنة للنمو، في ظل إغلاق المدارس، وانعدام المساحات الآمنة، وفقدان الرعاية النفسية والتعليمية.
واختتم العبادلة تصريحه بالتأكيد على أن ما يحدث في غزة لا يمكن اعتباره مجرد "أزمة نفسية"، بل هو انهيار وجودي شامل لمجتمع تحت الحصار والعدوان والدمار، قائلًا: "لا توجد حياة في غزة، الناس لم يعودوا فقط بحاجة إلى الغذاء والماء، بل إلى ترميم أرواحهم التي تهشمت".
وتابع: "العلاج النفسي في غزة لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية عاجلة، نحن بحاجة إلى تدخل دولي فوري، فالوضع تجاوز حدود الإنسانية".
انهيار المنظومة النفسية في غزة
قبل الحرب، كان النظام الصحي النفسي في غزة هشًا للغاية، إذ يعتمد على عدد محدود من المختصين والمراكز، ويعاني من نقص حاد في التمويل والتدريب والدعم النفسي المجتمعي.
ومع اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، والانهيار الكامل للمستشفيات والبنية التحتية، توقفت أغلب برامج الدعم النفسي، وتم تدمير أو إغلاق معظم المراكز المتخصصة، فيما فُرضت قيود شديدة على إدخال الأدوية والمعدات الخاصة بالعلاج النفسي.
وتؤكد تقارير أممية وحقوقية أن قطاع غزة يشهد واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في القرن الحالي، حيث يعيش السكان تحت الحصار، في ظروف غير آدمية، وسط تدهور شامل في النظامين الصحي والاجتماعي.